واستيقظ فى الصباح . وكان ما مر به لم يكن سوى اضغاث احلام
وكان اول ما سمعه فى ذلك الصباح .. هو ان الحرب قد اعلنت.. وانه قد يستدعى فى التو والحظة
فترك المراة فى الفراش وغادر الدار
وكان هجوم العدو ضربة مفاجئة.. فقد علموا ان جحافله تندفع بسرعة نحو المدينة
وانه لن تمضى ساعات معدودة حتى يكون الحصار قد ضرب حولها
وقضى الرجل طيلة اليوم فى جهاد مستمر.. فلم يهداا لحظة واحدة
اذ كان عليه ان يتحصن بجنوده فى احدى القلاع. وان يرسل جزءا منهم للقاء العدو لمقاومته ولتعطيله قدر المستطاع
حتى تتخذ فرقته مواقعها الدفاعية .. ثم يرتد الجنود بعد ذلم مع بقية فرقتهم فى داخل القلعة
واقبل الظلام . فكان كل شئ على تمام الاهبة.. واطمان الرجل الى سلامة خطته .
وارتدت مقدمته سالمة بعد ان عرقلت سير العدو... وجلس هو فى حجرته فى احدى الابراج العالية
وقد احس بان التعب يكاد يقتله .. وكان او ماقفز الى راسه هو تلك المراة التى تركها فى الفراش
المراة التافهة اتراها حقا ما زالت فى نظره تافهة !!؟
لو قيست بما كانت عليه فى الليلة الماضية فانها تكون كل شئ الا تافهة
لقد كانت حارة .. فياضة بالشعور.. فاتنة .. ساحرة .. مرهفة الحس..
ومع ذلك فقد احس فى نفسه بالخوف منها .. لقد اقلقه ذلك الشعور الجارف الذى يحس به نحوها
وافزعه ذلك الشك الذى يعتمل فى قلبه .. انه لا يطمئن اليها .. انها امراة ليلة
لا عاشقة عمر .. انها لن تمنحه دائما ... ذلك الاحساس المرهف الذى اعطته اياه
لانها ستعود كما كانت دمية بين عشاقها والمعجبين بها
واخيرا صمم الا يحاول لقاءها .. وان ينسى ما كان من امره وامرها.. ويقتل فى نفسه ذلك الحنين اليها
وقام الى فراشه . ولكن الحرس طرق بابه واخبره ان امراة تريده.. ولم تمض لحظات حتى دلفت المراة الى الحجرة
ومرت الايام والرجل غريق فى الهوى .. واشعرته المراة انه لم يخطئ فى شئ كما اخطا فى تسميتها التافهة
واستمر العدو فى حصار المدينه ولكن هجومه قد رد فاشلا .. وباءت محاولته فى الوصول الى المدينه بالخيبة والخذلان
حتى وصلت الانباء ذات يوم بانه استطاع التسرب من ناحية القلعة التى يدافع عنها الرجل ..
وحشد الجنود فى تلك الناحية .. ووصلت الامدادات من كل حدب وصوب. حتى امكن اخيرا ايقاف الهجوم
واسر كل الجنود الذين استطاعو التسرب الى داخل المدينة
وفتش الاسرى.. وبدا استجوابهم لمعرفة كيف استطاعو التوصل الى سر تلك النقطه الضعيفة التى تسربو منها
واخيرا وجد مع قائدهم .. صورة من مواقع الدفاع عن المدينة .. ياللهول
لقد حدثت خيانة .. وممن ! من قائد القلعه نفسه .. فقد كانت صورة الخطه .
هى نفسها التى كان يحتفظ بها فى حجرته الخاصة
وسيق الرجل الى المحاكمة .. وهو فى ذهول شديد .. ترى كيف انتقلت الاوراق من حجرته الى ايدى الاعداء ؟
وساوره شك سرعان ما ابعده عن خاطره .. ايمكن ان تكون هى التى دفعت بالاوراق الى اعدائى..
ولكن ما صالحها من ذلك .. وماذا يعود عليها مثل هذا العمل ؟
لا .. لا يمكن ان تكون هى.. وكانت التهمة هى الخيانة العظمى .. وكان مصير الرجل المعروف هو الاعدام
ولكن لم تمضى لحظات على بدء المحاكمة .. حتى فتح الباب ودخلت منه المراة
كانت ساكنة هادئه .. ولم يكن يبدو على وجهها اى نوع من المشاعر والاحساسات.. ولم تزد على ان قالت ببساطة:
انى انا التى دفعت بالاوراق الى ايدى الاعداء .. لقد كنت اهوى قائدهم الذى أسر .. وكنت اتصل به سرا..
وقد سالنى الاوراق فدفعت بها اليه
واحس الرجل بطعنه شديدة .. لقد كان خيرا له ان يعدم .. من ان يسمع مثل ذلك القول الذى قالت
لقد باعته المراة بثمن بخس.. لقد كان احمق .. حيث اندفع فى حبها.. وكان احمق حين ظنها لم تعدد بعد تافهة
واطلق سراح الرجل ولكنه جرد من رتبته .. وسيقت المراه للموت لتلقى جزاءها
وفى ظلمة الليل خرج الرجل من القلعة مطاطئ الهامة موجع القلب.. محطم الجسد
وبدا فى الظلام جسد المراة يتارجح ويهتز .. وقد تدلى فى الفضاء بعد ان احيطت رقبته الجميلة بالحبل الخشن
واحس بياس شديد وحزن بالغ . لشد ما خذلته المراة وبددت ايمانه بالحياه وبكل ما فيها
ولقد بددت ايمانه بنفسه .. وفى الوفاء .. وفى الخير .. وفى كل شعور صادق عميق
لقد خدعته خدعه كبرى .. بانه صدق حقا انها تحبه .. وانها كما قالت له ذات مره
لا تتمنى اكثر من ان تضحى بنفسها فى سبيله
الاحمق ... المغرور !!
لقد صدقتها وقتذاك
ولكنه كان معذورا فقد كان حديثها ملؤه الحرارة والاخلاص
ومع ذلك فلم تمضى ليلة حتى ضحت به وبوطنها .. وبكل مبدا وخلق .. ومن اجل غريب تدعى انها قد احبته
وملات المرارة نفسه وهمس فى سخرية وهو ينظر الى الجسد المعلق المتارجح فى الظلمة
احبته !!.. انت تحبين .. ايتها الشيطانه الكافرة ان طبيعتك هى الخيانة وديدنك الخديعه
ان الحب شعور اسمى من تحسى به
والقى على الجسد نظرة اخيرة ثم اشاح بعينيه فى ازدراء وعاود السير فى تثاقل وبطـء
ولاح له السجن الذى ضم بين جدرانه اسرى العدو.. وبدا له فى الظلمة وقد تعالت جدرانه السوداء كانها شبح مخيف ..
ولم يكد يتقدم بضع خطوات حتى سمع صوتا وراء قضبان احدى النوافذ وابصر بعض الاسرى يطلون على الساحة
ويرقبون الجسد المعلق .. وسمع احدهم يهمس للاخر وهو يشير الى الجسد :
هذه المراة لا شك مجنونة فما ابصرتها قط قبل اليوم .. ومع ذلك فقد ادعت انى على صلة بها ..
وانها دفعت الى بالاوراق لانها تهوانى ..
مع انى اجزم لك بانى حصلت عليها من احد الخدم نظير اجر باهظ .....يا للحمقاء ؟
لقد القت بنفسها الى التهلكة دون اى سبب
ولم يكد صاحبنا يسمع حديث الرجل حتى كاد يصعق. وتسمر فى مكانه
ايمكن ان يكون هذا معقولا ؟ .. ايمكن ان تكون المراة قد ضحت بنفسها من اجله ؟
ايمكن ان تكون قد القت بنفسها الى التهلكة .. لتنقذه من هذه التهلكة ؟ !
ايمكن حقا ان تكون صدقت وعدها وضحت بنفسها فى سبيله ..
واحس الرجل انه على وشوك ان يجن
وتقدم فى سكون نحو ذلك الجسد المعلق فى الهواء حتى وصل اليه وقطع الحبل
وامسك بالجسد يحتضنه بين ذراعيه
اهذه هى المراة التافهة .. ام ان الحياه من بعدها هى التافهة ؟
وشوهد الرجل يحفر بعد ذلك قبرا ليرقد الجسد فيه
وعجب الناس لما اصابه من فجيعة على المراة الخائنه.. واصابته جنه فلم يفارق القبر حتى ثوى فيه
وكتب الناس على القبر :
( هنا يرقد الرجل المجنون والمراة التافهة )... يا لهم من تافهين !!