فى حلكة ليل دامس شديد السواد
تكاثفت فيه السحب فحجبت مصابيح السماء
واوى الناس الى مضاجعهم فلم يبد فى الدور الساكنه اثر الحياة او قبس من ضياء
وعمت الوحشة وساد السكون فما عاد يسمع هناك الا ريح تعصف او ذئب يعوى
فى خلال ذلك الليل المظلم الموحش بدا فى احدى ابراج القلعه الشامخه ضواء خافت يلوح من احدى النوافذ
وكان ذلك فى اوائل القرن العاشر فى احدى دول اوربا الوسطى
وقد جلس الفارس الشاب فى حلته العسكرية
وكأن تلك الريح التى تعصف خارج النافذة قد امتد عصفها الى رأسه فبدا مشتت الافكار شارد الذهن
انه لا يحس برغبه فى النوم فما زالت اضواء تلك الليله الماضية تشع فى راسه
وما زال ضجيجها يصطخب فى ذهنه وقام الرجل الى النافذة ففتحها فاندفعت الريح الباردة الى داخل الحجرة
لقد كان فى حاجة الى تلك الريح لتطفئ ذلك اللهب الذى يشتعل فى صدره وتهدئ تلك الثورة التى تضطرم فى جوانحه.
وجلس يستعيد فى راسه ما راى فى ليلته الصاخبه.. واخذتالذكريات تمر بمخيلته فى سرعة البرق ..
كانت الليله هى موعد السوق الكبرى التى اقيمت لجمع الاموال اللازمة
لتعزيز الجيش والاكتتاب لتقوية وسائل الدفاع الوطن المهدد ..
واذ لم يعد سرا خافيا ان دول الشمال قد اخذت تتحفز للهجوم .. وان الاعتداء قد بات متوقعا بين آن و آخر ..
وما هذا السكون الذى يسود الجو الا سكون ما قبل العاصفة او تحفز قبل الوثب.
وذهب الفارس الشاب - وكان قائدا لاحدى فرق الفرسان لمشاهدة السوق .. فوجدها حافلة بالرقص والغناء ..
تضج فيها الطبول . وتصدح المزامير .. وتتلألأ أضواء المصابيح البراقه المتوهجة . وتشع فيها انوار العيونالفاتنة الساحرة
وقد تكون من هذه ومن تلك سحر عجيب يبعث النشوة فى الؤوس والمرح فى النفوس..
وسار يشق طريقه بين الاجساد المتراصة المتلاصقة فقد احتشد فى المكان جمع هائل من الناس
حتى وصل الى ناحية علا فيها الضحك ولزداد الضجيج والهتاف .
فاستطاع ببعض الجهد ان يتخذ له مقعدا وسط ذلك الجمع الذى احتشد فى شبه دائرة ..
ملئت بالغيد الحسان .. والرقصات المطربات..
وكان المكان قد اعد لكى تتقدم اليه الحسان فيعرضن بعض امتعتهن التافهة التى تبرعن بها
ثم تبدا المزايدات عليها .. فيظل ثمنها يرتفع ويرتفع حتى يرسو البيع على احدى المزايدين من الاثرياء
ممن يتلهفون على ان يكون لديهم من هذه الحسناء او تلك ..اثر يتباهون به ويعتزون
وهكذا كانت ترتفع قيمة الامتعه التافهة باضعاف اضعاف الجواهر والحلى ..
وتلفت الفارس ببصره بين الجموع المحتشدة .. فراعه ذالك الفيض من الجمال الذى يتدفق فى المكان.
فما ذكر قط انه قد ابصر بقدر من الفتنه قد احتشد فى مكان كما احتشد وقتئذ..
فما تلفت هنا وهناك الا ووقع بصره على وجوه ناضره مشرقه.. يرى فى عينها سحرا باهرا. وفى شفاهها فتنه واغراء..
حتى لكأن المكان حديقة مفى ابان الربيع تفتح كل ما فيها من زهور .. ونضج كل ما فيها من ثمار..
واستقر بصره اخيرا على وجه كان اكثر الوجوه فتنه واشدها جاذبية.. ولم يكن الجه غريبا عنه..
بل كان يعرفه تمام المعرفه .. فقد التقى بصاحبته بضع مرات قبل الان .
وكان يطلق عليها مع اصحابه اسم المراة التافهة
وكانت المراة جميله حقا .. فقد كانت من ذلك النوع الذى لا يستطيع ان يجد فيه المرء عيبا ولا هنة.
ولو فكر الانسان فى وضع مقياس للجمال .. لاتخذها حدا اقصى ..
وجعل من كل قطعه فيها نموزجا لما يجب ان تكون عليه المراة الجميلة.
فهذا الشعر المرسل على كتفيها فى بريقه الاخاذ كانما ليغشى العيون عن وجهها الضاحى.
وهاتان العينان اللتان لا يقوى انسان على ان يطيل النظر اليهما من فرط ما ينبعث منها من سحر عجيب.
وهذه الانف الدقيق والخدود المتوردة والشفتان اللتان يشعر الناظر اليهما انه فى حاجة الى مجهود خاص
يقاوم به تلك الرغبة الجامحة التى تدفعه الى ان يعدو فيلصق بهما شفتيه.
وهذا الجسد الممتلئ فى استواء وتنسيق..كل هذا كان نموذجا لما يجب ان يكون عليه الجمال
ومع ذالك . ومع كل ما اجتمع لها من جمال وفتنة .. لم يختر الرجل من الاسماء ما يطلق عليها
سوى المراة التافهة
ولم يكن لها عمل فى الحياه الا ان تحيط نفسها بالعشاق والمحبين.. وكانت تنظر اليهم كانهم قطع الشطرنج
او كما ينظر الطفل الى ملهاة وتسلية او لعبة تذهب بوقته .. وكانت تحاول الاستزادة منهم
كما يحاول الطفل ان يستذيد من عرئسه الخشبية. وكان فى كل مره يلقاها..
يرى عينيها كانما تدعوانه بالحاح . ويبصر فى تحركاتها وارشادتها كثيرا من الاغراء
ولكنه لم يكن ليلقى اليها شيئا من الاهتمام ولم يكن ذلك من عقة او زهدا..
بل لانه لم يكن يرغب فى ان تضيف الى قائمة عشاقها عاشقا جديدا..
ولم يكن فى اعراضه عنها بالغافل عن مبلف ما فيها من حسن وروعة.. بل على النقيض
كان اكثر الناس تقديرا لذلك الحسن وتلك الروعة. ولكنه - على حد قوله - لم يكن ليحب التوافه
وكان يكره ان يرى وراء ذلك المظهر الخلاب باطنا اجوف. ونفسا واهية
وكان يحب من المراة عاطفتها الفياضة وشعورها المتدفق وهذا ما كان يستطيع ان يجزم بان التافهة خلو منه
وجاء دور المراة.. فاندفعت بين الراقصات تقفز وتتواثب وتتثنى دلالا. وفكت شريطا رفيعا كانت تعقص به شعرها
وتركته ينساب على كتفيها.. وتهافت القوم على الشريط وعلا ضجيجهم بالمزايداة. وبيع الشريط بما يعادل
ثلاث امثال ثمن أنفس ما بيع فى كل المزايدات .. ثم اخذت بعد ذالك فى خلع عقد قد حلت به جيدها . ثم خاتم
قد زينت به اصبعها . وسوار فى معصمها. وهكذا حتى خلعت كل ما عليها من حلى. وقدمته فى هذا المعرض
وانتظر الرجل ان تغادر حلبة الرقص فتعود الى مكنها وسط العشاق والمعجبين. ولكن المراة لم تفعل
بل استمرت تتثنى وتتلوى بين الراقصات.. ياللمراة العجيبة .. ماذا تراها تنوى ان تفعل ؟
لقد بدات تخلع عنها ثوبها لتعرضه للبيع .. وضج الناس بالهتاف وجن جنونهم وتملكتهم نشوة فاضحوا كالسكاى
وبداوا يتقاتلون فى سبيل الحصول عليه .. وبيع الثوب الخارجى بما يعادل ثروة طائلة .
ووقفت المراة عارية الا من ثيابها الداخلية الشفافة
وسادة فترة سكون .. وكتم القوم انفاسهم فى انتظار ما تنوى المراة ان تفعل
ونظرت حولها الى العيون المتعطشة.. ثم حدقت فى الرجل بنظرة كلها فتنه واغراء. ومددت يدها الى جسدها ببطء
فنفضت عنه ذلك الثوب الشفاف الذى حجب وارءه ابداع ما يمكن ان تراه عين واورع ما يمكن ان يقع عليه بصر
وبدا صدرها فى استواء وامتلاء وكانه فاكهة ناضجة وقد اثقلت غصنها النضير فغدا طيب الجنى دانى القطوف
وسرعان ما بيع الثوب ووقفت المراة عارية الا من غلالة سترت نصفها الاسفل
واحس الرجل بالدماء تتدفق حارة فى شرايينه وانتظر ما تنوى المراة ان تفعل بعد
ولم يطل انتظاره اذ لم تمض فطره قصيرة حتى بدات المراة العجيبة تعرض ما تبقى لها.
وتهب الشئ الوحيد الذى اضحت تمتلكه .. تهب نفسها
وساد القوم صمت عميق . وجلسو كان على رؤوسهم الطير. ولكن السكون لم يطل
فقد قفز الفارس من وسطهم .. اندفع الى المنصة وركع امام الجسد العارى. وصاح بصوت يفيض بالشوق :
انى اعرض روحى .. ثمنا لك.
ونظرة المراة اليه ثم الى من حولها واجابته برقة :
انى لك . فان روحك اثمن من اموالهم !
ولم يذكر ما حدث بالضبط بعد ذلك. فقد علا الضجيج واشتد الصخب
ولم يشعر بنفسه ال وقد لف المراة فى غلاتها الرقيقة وحملها بين ذراعيه واختفى بها فى الظلمة الدامسة
واحس بجسدها الدافئ يمس جسده . وبانفاسها تلفح وجهه
ودهش الخدم عندما ابصروا بالفارس يعبر الابواب وقد حمل بين يديه امراة شبه عارية.. كانما قد اختطفها من فراشها
وصعد بها الى حجرته فى سكون شامل..
الى القاء فى الجزاء الثانى