جيرل مصر



قصة احتفال

.


 احتفال
قاعة متسعة وموسيقى وضجيج صاخب ، ومدعوون يتناثرون بعشوائية ، يقدمون بتهيب على هذا النمط الجديد من العلاقات .
- لماذا لم يذكروا في البطاقة أن الحفلة مختلطة ؟ 
هكذا يتذمرون بعهر مفضوح ، يلوذون بزوجاتهم وبناتهم إلى الأماكن القصية من الصالة ، يتبادلون ابتسامات مفتعلة ، وتحيات باردة ، يكتفون بالتعبير المقتضب الخاطف ، ويغتبطون لهذه المسافات التي يتواضعون على إبقائها .
امرأة تقتحم الصالة بجرأة ملفتة ، لا سمنة بها ولا نحول ، متبرجة، بادية الزينة ، رشيقة وتمتلئ حيوية كإحدى لاعبات السيرك .
يا الهي ...!! 
هتف أحدهم بدهشة ، لاحظت زوجته الرابضة انبهاره ، فأردف متراجعا :
- هذا عيب.. .. الحشمة مطلوبة .
كانت تتحرك ببطء استعراضي ، تحشر نفسها ما بين الطاولات المملوءة ، تنساب مع عطرها في الفجوات المتاحة ، تكافئ بابتساماتها النظرات التي تتعلق بها ، تعتذر لفتا للانتباه ، حيث لا يقتضي الاعتذار ،فتمتمت امرأة غيظا :
- ألم يرها أبوها و أخوها هكذا ..؟؟
لم يستمع لها زوجها الأشيب ، فقد كان مأخوذا بهذا الثوب الملصق بالجسم تماما ، كطبقة مصقولة من دهان ، يتشهى هذه الفاكهة الغالية الثمن ، تمنت الزوجة لو تملك لجاما تعدل به اعوجاج رقبته ، هزته بعنف حتى كادت أن توقع أكواب الشراب 
-أبو العبد .. كم الساعة ؟؟ 
تفجرت في القاعة حيوية أخرى ، وتلاشى الاهتمام المصطنع بالآخرين وأصبح التركيز مشتركا ، والنظرة شاعرية لهذا الشعر المصفف بعناية والحلي المتأرجحة بالأذنين ، والقلائد المستلقية على الرقبة واعلى الصدر ، والأساور التي تجعل للساعدين نداءً ولغة يفهمها رجل بارد العقل . 
- لأول مرة أعلم أن الإكسسوارات ضرورية جدا .
كانت زوجته تهتم بملاحظات ابنتها الايجابية عن تناسب الموديل مع تكوينها الجسمي ، وعطرها الذي يقحمها على تفكير الآخرين . 
- ليست مثلا أعلى في الأناقة .
وحاولت أن تغادر ، إلا أنها تثاقلت .
مازالت تستبطئ سيرها ، والموسيقى تتصاعد إيقاعا ، ترفع من فستانها حذر التعثر ، تنظر لمواقع خطواتها ، كأنها تعدها، تبدو كمن يسير على أنغام أو ألغام ،راضية بما تستقطبه من أنظار ، ويقسم أحدهم إنها ترقص البالية ، بل يراها وهي توازن مشيتها بذراعيها العاريتين ، كطائر يهبط في جذل على الماء . 
أصبح للموسيقى معنى ما ، نداء سحريا ، فينهض هذا الذي تصاعد انسجاما ، لعله أستفز للرقص ، أو بدا له ان يستعرض نفسه فتجذبه يد امرأته القوية ، فيتداعى على الطاولة ، وتنقلب وتتناثر الأكواب ، ويتحرك المجاورون حذرا وابتعادا ، أو يصرخون استنكارا ، ويراها آخرون فرصة للانفلات من رتابة الطقوس أو ملل الجلوس ، في حين يظن القصيّون في الصالة ، أن أمرا خطيرا قد حدث، فينادون بأسئلة لا ضرورة لها .
وتختلط الموسيقى بانقلاب الكراسي 
وتبقى قلة تتابع هذا الخط الانسيابي الرائق ، وهذا اللحن الذي يتصاعد كالنجم ، معلقا في الفضاء .


سعادة أبو عراق

=============================





تم تطوير القالب بخبرات عربية : جميع الحقوق محفوظة لـهذا الموقع :